القراء ومدارس الإقراء في الجزائر

 

إن التأمل في الاهتمام البالغ الذي حضي به علم القراءات قديما وحديثا، من طرف كل الأمم التي أنار القرآن ربوعها، ليملي علي واجب إبراز الجهود التي قدمها علماء الجزائر في خدمة هذا الفن على مر تاريخ هذا البلد المفدى، الذي كان مشد الأنظار ومحل التقدير والإجلال، حين اشتهر علماء الجزائر بالحذق والتبريز في علم القراءات أشرف العلوم وأجله لاتصاله بكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم الله الحميد.

وقد بدأ الاهتمام بالقراءات في الجزائر خصوصا وسائر أمصار بلاد المغرب عموما في القرنين الخامس والسادس الهجريين وترك علماؤنا تراثا ضخما في هذا الفن أثروا به المكتبة الإسلامية، وكانت المدارس القرآنية و الزوايا منار إشعاع لهذا العلم، فكانت بجاية معقلا ومقصدا لدراسة الشاطبية رحل إليها العلماء وتزاحمت عليها الركبان و من أشهر هؤلاء عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الذي رحل إلى بجاية وتولى خطبتها وقضاءها فدرس فيها الشاطبية وأسمعها، وممن رحل ليسمع منه علي بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن خيرة أبو الحسن البلنسي خطيب بلنسة و مقرئها. وانتشرت المعاهد والمدارس القرآنية في كل من الزواوة و تلمسان ووهران وغليزان وسائر أقطار الوطن المترامي الأطراف شيدها الزيانيون والمرينيون ومن بعدهم، وصفها يحي بن خلدون بأنها «معاهد كريمة».

وسأقسم كلمتي هذه إلى ثلاثة محاور وهي:  

   أولا: انتشار قراءة نافع في الجزائر إلى جانب المذهب المالكي

   ثانيا: علماء الإقراء الجزائريين

 ثالثا: مدارس الإقراء بالجزائر قديما وحديثا. إلى جانب المذهب المالكي  

  عرف الاهتمام بسائر القراءات المشهورة والمتواترة من طرف علماء الجزائر كسائر الأقطار الإسلامية الأخرى، لكن الاهتمام انصرف أكثر إلى قراءة الإمام نافع، وهذا منذ أن دخلت هذه القراءة إلى الغرب الإسلامي على يد أبي عبد الله بن خيرون الأندلسي المغربي سنة ( ت 306)، ولم تمض مدة طويلة على دخول هذه القراءة إلى إفريقيا حتى  استحسنها الناس، وأُمر بتلقينها دون غيرها، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى انتشار مذهب الإمام مالك إمام دار الهجرة، فالإمام نافع القارئ شيخ للإمام مالك، وكان مالك يرى أن نافعا هو إمام الناس في القراءة .

وجاء في مفتاح السعادة لطاش كبرى زادة أنه قال:«إنما وقع الاقتصار في المغرب على قراءة نافع لاختيار مالك قراءته،   وسمعت من فضلاء المغاربة أنهم اختاروا ذلك ليكون فقههم فقه عالم المدينة ،وقراءتهم قراءة قارئ المدين).

وقد شكل الجمع بين قراءة نافع مالك الشخصية الجزائرية عبر التاريخ وكان من أهم العوامل التي ساعدت على تعميق الشعور والإحساس بالوحدة والانسجام الاجتماعي والمذهبي.

 ثانيا: علماء الإقراء الجزائريين: قيل «إن علم القراءات هو الميدان الوحيد الذي سيطر عليه المغاربة» وللوقوف على هذه الحقيقة التي لا يماري فيها أحد وإبراز الصفحة المشرقة التي سطرها علماء الإقراء الجزائريين بكثير من النبوغ والتفوق، نرى أنه من المفيد أن نتعرض لذكر بعض كبار القراء الذين جادت بهم أرض الجزائر لخدمة القرآن وعلومه، فتركوا آثارا و مؤلفات في علم القراءات منها ماهو مطبوع ، ومنها ما ينتظر.

    1 – أبو القاسم الهذلي: هذا الإمام الذائع الصيت، ترجم له الإمام الذهب في كتابه «معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار»، وهو من أئمة القرن الخامس الهجري له «كتاب الكامل في القراءات»، فجاء في ترجمته هو : «يوسف بن علي بن جبارة بن محمد بن عقيل بن سوادة، الإمام أبو القاسم الهذلي المغربي البسكري، وبسكرة بليدة بأقصى المغرب». وهي إحدى ولايات الجزائر، ولأنه كان عالي الهمة كثير الرحلة في طلب العلم قال عنه الإمام الذهبي: «ارتحل من بلده إلى إفريقيا إلى مصر، إلى الحجاز، إلى الشام، إلى العراق إلى أصبهان، إلى خراسان، إلى ما وراء النهر»، وقال عن شيوخه الذين أخذ عنهم : «وذلك أمر لم يتهيأ لأحد قبله ولا بعده فيما أعلم» وذلك لكثرتهم إذ بلغ عددهم مائة واثنان وعشرون شيخا.ونقل عنه أنه قال «فجملة من لقيت في هذا العلم ثلاثمائة وخمسة وستون شيخا

 فقال: «ومنهم أبو العباس أحمد الزواوي إمام المقرئين بالمغرب، قرأت عليه القرءان العظيم بالجمع الكبير بين القراءات السبع من طريق أبي عمرو الداني وابن شريح في ختمة لم اكملها وسمعت عليه عدة كتب وأجازني بالإجازة العامة».                       

    4- محمد شقرون بن أحمد المغراوي المعروف بالوهراني (ت929ه) 

هو من مشاهير القراء وفي أواخر القرن التاسع ألف الوهراني قصيدته في علم القراءات سماها «تقريب النافع في الطرق العشر لنافع» وهي عبارة عن قصيدة لامية”، وتقع قصيدة الإمام محمد بن شقرون في (302) وفي بعض النسخ (122) بيتًا، عدّها الشيخ المهدي البوعبدلي في حكم المفقودة، لكنها في الحقيقة موجودة وفي نسخ عديدة ذكرها الدكتور عبد الهادي حميتو.

هذا ولئن اكتفيت بهذا القدر فلأنني أعجز عن ذكر جميع أعلام القراءات لكثرتهم. و شهرتهم حتى غدوا نجوما طوالع تزينت بهم سماء الإقراء في العالم أجمع، ولا يفوتني في هذا المقام أن أنوه و أشيد بالكتاب الذي ألفه الأستاذ سالم عبد الكريم بوحامدي، بعنوان «دليل الطالبين إلى معرفة القراء الجزائريين المجازين» فهو يحوي نخبة من العلماء والقراء في الجزائر في وقتنا الحاضر، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

  لقد كان الهدف من إنشاء المدارس القرآنية و الزوايا في الجزائر تعليم القرآن الكريم و علومه في كل القرى و المداشر، فبلغت هذه المدارس أوج ازدهارها في تحفيظ القرآن وتعليم القراءات حتى غدت مقصدا للكثير من طلاب العلم خاصة من الأقطاب المجاورة كتونس والمغرب، فتخرج فيها كوكبة من العلماء، منهم من تعرضنا إليهم في المحور السابق، وسوف أتناول في هذا المحور باختصار أهم هذه المدارس القرآنية والزوايا والمقارئ التي ساهمت في خدمة و نشر القراءات في الجزائر عبر التاريخ وذلك من خلال مبحثين:

      المبحث الأول: الزوايا و مدارس الإقراء التاريخية: ونذكر منها:

  • مدرسة ولدي الإمام: بنيت في عهد السلطان أبي حمو موسى الأول.

2 – المدرسة التاشفينية: بناها عبد الرحمن أبو تاشفين بجانب المسجد الأعظم.

-3  مدرسة أبي الحسن المريني: بمنطقة العباد                                                                       

-4  المدرسة اليعقوبية: أسسها السلطان أبو حمو موسى الثاني

-5 معہد القلعة بغليزان: من المعاهد المتخصصة في رسم القرآن الكريم وخطه.

-6 معهدالقلعة: وهي قلعة بني راشد، وكانت تسمى قلعة هوارة، إذ قبيلة هوارة هي التي أسستها في القرن الخامس الهجري، وكانت القلعة منذ أقدم العصور معلومة بقراءة القرآن، وسائر فنون العلم من حديث وتفسير قرآن وحساب وفرائض ونحو وتوحيد ومنطق وبيان، وبديع ومعاني واستعارات وأصول وشعر، وغير ذلك.

     المبحث الثاني: مدارس الإقراء في العصر الحاضر: 

أما في العصر الحديث فإضافة إلى العديد من الزوايا و المدارس القرآنية التي لا تزال تواصل في أداء رسالتها التاريخية في مجال حفظ القرآن الكريم وتعليم القراءات، فقد أنشئت مقارئ متخصصة في مجال الإقراء وأهمها:

  • مقرأة خالد بن علي بن محمد درباني – بمسجد حمزة بن عبد المطلب بالعاصمة.
  • مقرأة بدر بلعباس بمسجد التقوى بحي باب الواد.
  • مقرأة كريم بن دراجي رضاونة، يقرئ بمدرسة أبي زيد القيرواني
  • مقرأة عبد الحميد برقوق بمسجد القدس بحي الصنوبر البحري المحمدية –الجزائر.
  • مقرأة عاشور خضراوي بمسجد السانية.
  • مقرأة فضيل بلعظم بمسجد زين العابدين وسط مدينة وهران.
  • مقرأة حوالف عكاشة بن عبد المؤمن أبو ميسرة بمسجد الحسنين بالسانية وهران.
  • مقرأة علالي نصيرة أم ميسرة بمسجد الحسنين – السانية.
  • مقرأة محمد نعيم بمسجد الإمام علي بتلمسان حي الإمامة .
  • مقرأة إبراهيم بلخيثر بمسجد حمزة بن عبد المطلب بالحناية.
  • مقرأة سعيد حضري بمسجد سعيد بن زيد المحطة معسكر
  • مقرأة ابن باديس للقراءات (18) أستاذ وأستاذة.
  • مقرأة أبو مريم عبد الرحم رحماني بن رابح عشاش بمسجد الشيخ محمد الغزالي، حي حشمي الموسع سطيف. وتعد هذه المدارس وغيرها مما لم نذكر هنا المكان الرحيب لتحفيظ كتاب الله تعالى وتعليم القراءات.         
  • وفي الختام أرجوا أن تكون هذه الورقة قد لبت ما كان منتظرا منها، ونثمن كل مجهود يهدف إلى خدمة القرآن وعلومه.

 

 

 

الهواميش:

1-د. عبد الهادي حميتو قراءة نافع عند المغاربة ج 1، ، ص .147.146.                                                   

2 – د. مهدي دهيم، جهود علماء الجزائر في خدمة القراءات القرآنية، محاضرة في الملتقى العلمي الثالث لطلاب الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية المدينة المنورة 2012م                                                          

 3 – د. سعيد أعراب القراء والقراءات بالمغرب، دار الغرب الإسلامي، ص 13                                       

4 – د. هند شلبي، القراءات بإفريقيا من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري، الدار العربية للكتاب، ط -2010ص223.                                                                                         

  5- المرجع نفسه،ص223                                                                                                    

     6- الشيخ عبد الرحمن الجيلالي تاريخ الجزائر العام، ج1، دار هومة، ط 2010م،ص251. 7                            

7- عبد الهادي حميتو، مرجع سابق،ص23.                                                                                

  8 -الإمام شمس الدين الذهبي، معرفة القراء الكبار على الطبقات و الأعصار، تحقيق د. طيار التي قولاج ، ج2 ط استانبول 1995م، ص -816-818                                                                                            

 9 -المهدي البوعبدلي مرجع سابق.                                                           

  10- عبد الكريم الفكون غاية النهاية في كشف حال من ادعى العلم والولاية، ترجمة الزواوي، تقديم أبو القاسم سعد الله ،، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1987 ،ص.200

11- المهدي البوعبدلي، اهتمام علماء الجزائر بعلم القراءات، محاضرة ألقاها في ملتقى الفكر الإسلامي سنة1981.

12  -المرجع نفسه، ص576                                                                        

 13- عبد الحمن بن خلدون، تاریخ ابن خلدون، مراجعة الدكتور سهيل زکار، ج 7، دارالفكرط. 2000م      

 14- أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي ج.3، المؤسسة الوطنية للكتاب ، ط.1985،ص.22.

15- د. مهدي دهيم مرجع سابق، ص 3

16- مسعود بولجويجة، الإقراء في الجزائر منقول من مجلة المنبر

17- سالم بن عبد الكريم بوحامدي ، دليل الطالبين إلى معرفة القراء الجزائريين المجازين ، نسخة الكتاب في قرص مضغوط.

 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *