آفاق تطوير نظام التعليم

كلمة معالي رئيس المجلس الإسلامي الأعلى

الدكتور بوعبد الله غلام الله، خلال أشغال الندوة الوطنية حول آفاق تحسين منظومة التربية والتكوين في الجزائر.يوم 04/10/2022. – المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي و البيئي .

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وأله وصحابته الكرام

نتوجه بالشكر الجزيل إلى السيد نور الدين غوالي المستشار لدى رئيس الجمهورية المكلف بشؤون التربية الوطنية والتعليم العالي والشكر موصول إلى الأستاذ الدكتور سيدي محمد بوشناق خلادي رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على تنظيم هذه الندوة في موضوع ” آفاق تطوير نظام التعليم والتكوين في الجزائر”.

إنه موضوع الساعة ونحن في مفتتح السنة الدراسية 2022- 2023 أي بعد ستين سنة مضت على نشأة المدرسة الوطنية في الجزائر. هذه المدرسة التي نشأت استجابة لما سطرته ثورة التحرير من عزمها على التكفل بتعليم الشعب الجزائري وجعل هذا التعليم أولوية الأولويات لتمكين الجزائريين من حقهم في التعليم. هذا الحق الذي حرموا منه طيلة عهد الاستعمار البغيض. وقد بذلت الدولة الجزائرية كل ما في وسعها لبلوغ هذا الهدف الشريف النبيل فخصصت له ربع ميزانية الدولة واستعانت بكل من يقبل التعاون في هذا الموضوع من المعلمين والأساتذة من البلاد الشقيقة والصديقة.

من الأكيد أن فرنسا المطرودة من الجزائر لم تكن ليرضيها عزم الدولة الجزائرية على تمكين كل جزائري طفلا كان أو بالغا من التعليم، لأنها لم تكن قادرة على توفير المعلمين لتأطير المدرسة ولا الجامعة في الجزائر المستقلة ولم يكن يرضيها أن يتعلم الجزائريون بلغة غير اللغة الفرنسية.

وقد جندت وزارة التربية الوطنية في بداية الاستقلال كل من كان قد تحصل على قسط من التعليم سواء في المدرسة أو في الزوايا والمدارس القرآنية، كما استعانت كما قلنا بالتعاون الذي لم تبخل به الدول الشقيقة والصديقة. وقد لقي هذا التعاون نقدا شديدا من طرف الراغبين في استمرار المدرسة الفرنسية في الجزائر. وحجتهم أن هذا التعاون الأجنبي يجلب معه أفكارا تمنع تطور المجتمع الجزائري وتفرض عليه الاستمرار في التأخر والضحالة التي أصابته مع الاستعمار وحتى قبل الاستعمار كما كتب المرحوم الأستاذ مصطفى الأشرف. ولما تولى وزارة التربية سنة 1977 طرد جميع الاطارات الذين فكروا أو صمموا أرضية المدرسة الأساسية التي كان شعارها “أعرف وأعرف كيف أعمل وكيف أكون”

« savoir, savoir faire savoir être » وألغى كل الأقسام التجريبية التي كانت تختبر فيها مناهج وبرامج المدرسة الأساسية.

 إن برامج ومناهج المدرسة الأساسية هي العمل الوحيد الذي قام بعد التجريب والتعديل أثناء التجربة..

إذن أغلقت تلك الأقسام وأخضع التلاميذ إلى التعليم التقليدي وساد الصمت عن تطوير المدرسة الجزائرية إلى عهد الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله.  لم يكن الرئيس بن جديد ممن تأثروا لا بالمدرسة ولا بالثقافة الفرنسية وقد رأى أن يعين وزيرا للتربية مجاهدا ومناضلا في جبهة التحرير الوطني وإطارا ساميا في الدولة بعد أن كان أستاذ في وزارة التربية.

وقد رأى السيد محمد الشريف خروبي رحمه الله أن يشرع في تطبيق البرامج التي كانت قد خضعت للاختبار التجريبي وظهرت صلاحيتها، وقد لقى هذا التطبيق نقدا كبيرا لا يماثله إلا النقد الذي لقيه بناء جامع الجزائر.

إن الارادة الوطنية تغلبت طول رئاسة الرئيس الشاذلي بن جديد وفي سنة 1987 كانت أفواج المدرسة الأساسية على أبواب البكالوريا. وكان قد تولى وزارة التربية الوطنية المجاهد مصطفى بن عمر، وثارت قضية ثانوية ديكارت التي كانت في يد السفارة الفرنسية وكانت السلطات الفرنسية ترى أن هذه الثانوية ملك للدولة الفرنسية وأصر وزير التربية على أنها ملك للدولة الجزائرية وقد حان الوقت لاسترجاعها إلى وزارة التربية الوطنية التي كانت في حاجة ماسة إلى فضاءات تربوية تجابه بها  النمو المتزايد لأعداد التلاميذ.

وهنا ثارت ثائرة جمعية أولياء التلاميذ الذين كانوا يدرسون في ثانوية ديكارت وهددوا برفع شكواهم إلى الرئيس متيران رئيس الجمهورية الفرنسية في ذلك الوقت.

وبعد تعديل الوزارة سنة  1989 تعين على رأس وزارة التربية وزير كان بعض مستشاريه من أعضاء جمعية تلاميذ ثانوية ديكارت. وكان الأمر يقتضي أن نختبر التجربة وتتلافى النقائص التي تكون قد شابت هذه التجربة ولكن آل الأمر إلى مجلس إصلاح التعليم الذي كان أغلب أعضائه من المعلمين القدماء وممن اختبروا ليقترحوا منهجا دراسيا ليعوض المنهج القائم أو يصلحه. وهذا في وقت كان الارهاب يغتال المثقفين والأئمة وخيرة المعلمين.

سلمت فرنسا ثانوية ديكارت إلى الجزائر، ولكنها طلبت في نفس الوقت أن تعيرها الجزائر احدى الثانويات في العاصمة مؤقتا لاستقطاب التلاميذ الذين كانوا يتابعون دراستهم في ثانوية ديكارت إلى أن تقوم الدولة الفرنسية ببناء ثانوية خاصة بها، وقد أجابت الدولة الجزائرية هذا الطلب نظرا لحق التلاميذ الجزائريين وغيرهم في مواصلة دراستهم، فعمدت السلطات الجزائرية إلى معهد تكوين المعلمين الذي يحمل اسم الشهيد مصطفى خلف وأحدثت فيه اصلاحات معمقة ليستجيب إلى  حاجة هيئة التعليم الفرنسية في الجزائر، ودخلت هذه الهيئة معهد مصطفى خلف على سبيل الاعارة بموجب رسالة رسمية أمضاها وزير خارجية فرنسا .

واستمرت هذه الاعارة إلى اليوم، ولو كانت وزارة التربية قد رتبت على البعثة الفرنسية أجارا لمعهد مصطفى خلف لكانت هذه البعثة قد أنفقت ما يتجاوز تكاليف بناء ثانوية. ولكن تربعت البعثة الفرنسية على هذا المعهد الذي خسرته وزارة التربية التي لم تستغن عنه وحده وإنما استغنت عن 53 معهدا كانت مخصصة ومجهزة ومؤطرة تأطيرا جيدا لتكوين المعلمين، وهكذا تخلت وزارة التربية عن معاهد التكوين ورأى مسيروها أن يستعينوا بخريجي الجامعة بدون تكوين ولما  سئل وزير التربية عن سبب هذا الاجراء أو الفائدة منه، تعلل بأن خريجي الجامعة يمكن أن يفيدوا التعليم أفضل من خريجي المعاهد التكنولوجية، لأن هؤلاء غير حاصلين على البكالوريا. كما لو كانت المعاهد التكنولوجية للتربية تفرض على منتسبيها أن لا يكونوا من حملة البكالوريا.والحق أن مصلحة البلاد كانت تقتضي بأن تستفيد المدرسة منهم بحسب المواد التي برزوا فيها أثناء دراستهم الثانوية.

وبعد أن توقف نشاط المجلس الوطني لإصلاح التعليم تشكلت اللجنة الوطنية لإصلاح  المنظومة التربوية برئاسة الأستاذ بن علي بن راغو سنة 2000 وقدمت نتائج عملها سنة 2001 وكانت قد فتحت مجالا جديدا لإعادة بناء منظومة التربية والتكوين، ولما استلمت شخصيا نسخة من هذا التقرير وقرأته وأنا بعيد عن وزارة التربية الوطنية وجدته تقريرا مفككا متناقضا لا يقوم على أي نظام تربوي معتبر. وقد قدمت عنه بعد قراءته والتمعن في أجزائه وفقراته، قدمت تحليلا مفصلا بالعيوب العلمية والمنهجية والبيداغوجية التي تعتور هذا النظام المقترح لتعويض المدرسة الأساسية التي كما قلت قامت على أهداف محددة وخضعت مناهجها وبرامجها للتجريب قبل التطبيق.

وفي ختام حديثي هذا اقترح على اللجان التي سوف تتداول في هذه الندوة المباركة أن تقارن بين أمرية 1976 المؤسسة للمدرسة الأساسية والقاضية بإجبارية التعليم وبين تقرير لجنة اصلاح المنظومة التربوية لنرى الفرق واضحا بين العمل العلمي المنظم والمنسق والهادف والذي يقبل التصحيح والتعديل عند الاقتضاء وبين العمل المفكك المهلهل الذي لا يقوم على أية نظرية علمية ولا منهج بيداغوجي معروف ومسطر.

وإني أقدم للسادة المنتدبين لإقامة هذه الندوة المباركة نسخة من التقرير الذي وضعته بعد قراءة نتائج أعمال لجنة إصلاح المنظومة التربوية ليطلعوا على ما حوته أعمال هذه اللجنة من أخطاء علمية وبيداغوجية ومنهجية. كما اقترح عليهم الرجوع إلى أمرية 1976 ليروا بأن هذا عمل علمي مرتب ترتيبا منطقيا وهادفا وقابلا لتلافي النقائص التي تطرأ عليه عند التطبيق. والله الموفق للصواب. والهادي إلى سواء السبيل.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

         الندوة الوطنية حول آفاق تحسين منظومة التربية والتكوين في الجزائر.

يوم 04/10/2022. – المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي و البيئي 

 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *